هوليوود وأزمة الأصلية في أعمالها الفنية.. كيف أصبحت الأفلام الأمريكية تفتقد للأفكار الجديدة؟
لا شك أن أي متابع للفن السابع وعالم الشاشة الصغيرة من الأعمال الفنية القادمة من هوليوود، مركز الإبداع السينمائي والتلفزي كما يُسمى أو كما كان يُسمى، لاحظ أن مشكلة حقيقية تحدث هناك! مشكلة الأفكار الجديدة والأصلية في أغلب ما يُنتج في الأفلام الأمريكية.
لطالما نقوم في بداية كل سنة بإنجاز قائمة تتضمن أكثر الأفلام المنتظرة في السنة التي تليها، لكننا نتصادم مع حقيقة صادمة تتكرر كل مرة، تقريباً أغلب الأفلام التي نقوم بالبحث عنها والتي ستصدر تكون عبارة عن أجزاء تالية، أو أفلام معاد إنتاجها من أفلام صدرت في الماضي، أو أفلام spin-off والتي تعني إنجاز فيلم منشق عن فيلم سابق يتشارك معه في أغلب عناصره، أفلام مبنية على كتب شهيرة أو قصص مصورة مثل comic books... حتى أن درجة انعدام الأصلية في هوليوود وصلت في بعض الأحيان إلى إعادة إنتاج فيلم أجنبي من دولة أخرى...
خلاصة القول، هناك مشكل حقيقي يتمثل في انعدام أفكار جديدة في هوليوود التي كانت تعتبر مصدر الإبداع السينمائي في القرن الماضي. عندما كنا صغار وستشاهد ذات ليلة فيلم أمريكي تتشوق له لأنه سيكون رائع، لأنك تعلم ستشاهد فيلم لم ترى مثله من قبل.
رغم ذلك، لست هنا لأبخس هذه الأعمال الفنية غير الأصلية في أفكارها، فالعديد من هذه الأفلام والمسلسلات تكون جودتها الفنية عالية، على سبيل المثال: عالم مارفل السينمائي الذي رغم أنه غير موجه لجميع عشاق الفن السابع كان بناء أحداثه منذ سنة 2008 رائع، أو مثلاً المسلسل الحديث العهد The Mandalorian الذي يعتبر ناجح جداً ، لكنه في نفس الوقت ليس بالعمل التلفزي الأصلي الذي جاء بفكرة لم نرى مثلها من قبل، فهو يبقى مسلسل مشتق من عالم أفلام حرب النجوم، حيث يغوص في ماضي شخصية الماندلوري المعروفة مسبقاً في هذه الأفلام.
الأمر له علاقة بالعائدات المالية وأرباح البوكس أوفيس
قاعة سينما في أمريكا |
الأمثلة كثيرة كل سنة، ولا أظن أن أي متابع لهوليوود سيعارضني الرأي. لكن السؤال لماذا؟ سؤال جيد يصعب الإجابة عليه، لكن سيقول البعض أن السبب الرئيسي هو الجانب الربحي وتحقيق الإيرادات في البوكس أوفيس خصوصا عندما تقوم بإعادة إنتاج فيلم من فيلم آخر مشهور مسبقاً، فأنت هنا تُزيح عليك نصف عملية التسويق للعمل، وأفضل مثال هو مسلسل The Mandalorian المنشق عن أفلام حرب النجوم التي تعتبر من أشهر وأنجح سلسلات الأفلام في تاريخ السينما، وبالتالي فأنت ستجذب كم هائل من عشاق هذه الأفلام لمشاهدة هذا المسلسل دون بذل جهد كبير أو موارد مالية كثيرة في تسويقه والتعريف به.
الجمهور يتحمل جزء من المسؤولية
هناك أيضاً عامل آخر قد يفسر الأمر، وهو أن الأفكار الأصلية موجودة فعلاً وبكثرة لدى الكتاب والمخرجين المستقلين البعيدين كل البعد عن الأفلام التجارية، لكن استوديوهات الإنتاج الكبيرة لا ترغب في المخاطرة وتمويل أفكارهم لأنها هي الأخرى تخاف من عدم تحقيق أرباح منه، بسبب الجمهور!
هذه هي النقطة التالية التي ستأخذنا إلى محاولة فهم الأمر، وهي أن نسبة كبيرة من الجمهور الحالي أصبح منجذب إلى الأفلام التجارية، حيث أصبح المُشاهد الحالي يطلب المؤثرات البصرية المذهلة، ومشاهد الأكشن الضخمة... وهذه الأمور لا تجدها في أغلب الأوقات إلا في أفلام الكوميكس والأفلام المعادة إنتاجها. لذا فاستوديوهات الإنتاج تذهب دائماً للأعمال التي نجحت سابقاً لأنها مرت من تجربة ناجحة حققت الأموال سابقاً، وبالتالي تغيير بعض الأمور فيها وإضافة مؤثرات حديثة ومشاهد أكشن جريئة وموسيقى تصويرية ملحمية، وها أنت أمام فيلم جديد سيحلب أموال كثيرة من شباك التذاكر.
هذه الأفلام لن تتردد هذه الشركات في إنفاق أكبر كم من الأموال في إنتاجها، لأنها على علم أن الجمهور سينبهر بهكذا أفلام هائلة حتى ولو أن فكرتها ليست بالإبداعية الجديدة والفريدة من نوعها.
تدخل استوديو الإنتاج في إبداع الفيلم
تصوير فيلم "مهمة مستحيلة: سقوط" في مدينة باريس خلال عام 2017 |
ودعنا لا ننسى أن استودويهات هوليوود الكبيرة لها قاعدة سيئة تقتل روح الإبداع في كاتب ومخرج الفيلم، فهي تتدخل في جميع مراحل إنتاج وتصوير الفيلم. المخرج والكاتب في الأفلام الأمريكية تفرض عليه استوديوهات الإنتاج إضافة، أو حذف، أو تغيير الكثير من مفهوم الفيلم معاكس تماماً لما تصوره الكاتب بنظرته الإبداعية في البداية لأنها ترغب في أقلمت الفكرة مع المُشاهد المستهدف، وهنا يفقد الإبداع جوهره عندما يُفرض فيه أو عليه شيء ما.
القرصنة!
عملية قرصنة لأفلام وموسيقى على الأنترنت |
تعتبر القرصنة من أهم العوامل التي لها سبب مباشرة في ازدياد انعدام الأصلية في هوليوود! كيف ذلك؟ حسناً.. كل فيلم يجب عليه أن يجني أكبر قدر من أرباح البوكس أوفيس في أقل مدة ممكنة عند عرضه في قاعات السينما لكي تتبناه الاستودويهات الكبرى القادرة على إنتاجه، وإلا سيتم إصداره على أقراص الديفيدي والأنترنت فيتم اقتناصه مباشرة وقرصنته على نطاق واسع، وهنا استوديو الإنتاج والتوزيع هو الخاسر الأكبر، إذا ما المعمول؟ يجب استقطاب الأفلام التجارية الكبيرة المعروفة مسبقاً فقط والتي تعتبر الوحيدة القادرة على التهام البوكس أوفيس وتحقيق الإيرادات.
ختام
على أي حال، كل ما سبق ذكره لا أحاول من خلاله إثبات أن بعض الأفلام والمسلسلات التي ذُكِرت، أو بصفة عامة هذه الأعمال التي لا تتميز بالأصلية في فكرتها أنها أعمال سيئة، بالعكس فالكثير منها يكون ناجح وذو جودة فنية رائعة، وشخصياً قمت بالإشادة بالكثير منها في السنوات الماضية في العديد من المراجعات السابقة. لذا فما ناقشته هنا يتعلق بالأصلية، من وجهة نظر شمولية وكموضوع عام.
ولا يمكن أن نقول إطلاقاً أن هوليوود لا تقدم إطلاقاً أفلام أو مسلسلات بأفكار أصلية، فكل سنة نرى بعض الاستثناءات التي تعبر الجسر بصعوبة وتنافس الكبار، لكنها في تضاءلٍ عام بعد عام!
وصلنا إلى النهاية.. وهذا ما استطعنا استخراجه من عصارة هذا السؤال المثير للاهتمام. إذا رأيت أن هناك تفسيرات أخرى يمكن أن تضيفها أو أنك تعارضنا الرأي، لا تخجل في أن تنشرها في الأسفل بمنطقة التعليقات وسنناقشها معك.
أنظر أيضا: مستقبل السينما.. هل يغير فيروس كورونا قواعد الصناعة السينمائية؟