فيلم Birds of Prey ويُعرف أيضاً بعنوان –Harley Quinn: Birds of Prey- هو أحد الأفلام المأخوذة عن إصدارات الكوميكس المصورة وينتمي إلى عالم دي سي السينمائي الممتد (DCEU) الذي تم إطلاقه في عام 2013 من خلال فيلم Suicide Squad، يحل الفيلم في المرتبة الثامنة ضمن تسلسل إصداراته ويمكن اعتبار الفيلم بمثابة اشتقاق مباشر من فيلم Suicide Squad الذي صدر في عام 2016.
فيلم Birds of Prey من إخراج كاثي يان وكتبت له السيناريو كريستينا هودسون التي تشارك حالياً في كتابة عدد من أفلام DC المستقبلية وهم The Flash و Batgirl، وتعود مارجو روبي من خلال الفيلم لتجسيد شخصية هارلي كوين ويشاركها البطولة روزي بيريز، جورني سمولت، إيوان ماكجريجور، ماري إليزابيث وينستد وإيلا جاي باسكو.
تنطلق أحداث فيلم Birds of Prey بعد فترة من نهاية أحداث فيلم Suicide Squad حيث تُعلن هارلي كوين انفصالها التام والنهائي عن شريكها السابق الجوكر، إلا أن ذلك يُفقدها حمايتها ومن ثم تصبح هدفاً لعدد كبير من مُجرمي مدينة جوثام الساعون للثأر منها لتسببها في أذيتهم بشكل ما، لكن لم يكن أيهم ليجرُؤ على مساسها بسوء في ظل وجود الجوكر.
تتم ملاحقة هارلي كوين من قبل المدينة بأسرها وتجد نفسها مُجبرة على خوض عدة صراعات مع الشرطة والمجرمين على السواء، لكن تزداد الأمور تعقيداً على نحو مُباغت حين تدفعها الأحداث لملاحقة السارقة الصغيرة كاساندرا كين وهي ذات الهدف الذي يسعى خلفه رومان سيونيز أحد أباطرة الجريمة في جوثام والذي يُعرف بلقب "بلاك ماسك".
جاء فيلم Birds of Prey مميزاً في بعض الجوانب بينما أخفق في البعض الآخر والمفارقة الغريبة أن سيناريو الفيلم يعود له الفضل في ذلك ويتحمل المسؤولية عن ذاك!.. إذا بدأنا بالنواحي الإيجابية سوف نجد أن السيناريو اختار من البداية أن يتبع حبكة بسيطة خالية من التعقيدات، وقد كان مصيباً في ذلك نظراً لأن الفيلم -برغم انتمائه إلى تصنيف أفلام الكوميكس والخارقين- يدور حول شخصيات لا تمتلك قدرات خارقة بالمعنى المعتاد.
خالف سيناريو فيلم Birds of Prey أيضاً النمط السائد في قصص وحبكات تصنيف الأفلام المُنتمي له واختار مهمة بسيطة نسبياً بعيداً عن محاربة الجريمة والتصدي لقوى الشر من العوالم الأخرى وما إلى ذلك، وكانت المهمة التي اختارها أكثر اتساقاً مع طبيعة شخصيته الرئيسية التي تُحتسب بالأساس على جانب الشر، وبذكر طبيعة الشخصية الرئيسية يضاف إلى مزايا السيناريو حرصه على أن يتضمن جرعة لا بأس بها من الكوميديا الهزلية -وإن لم تكن موفقة دائماً- التي تعكس جنون شخصية هارلي كوين وشخصيات عالم جوثام بصفة عامة.
نقطة التميز الأبرز في سيناريو الفيلم هي نفسها نقطة الضعف الأكثر تأثيراً والتي تتمثل في أسلوب السرد الذي اتبعه خاصة في النصف الأول، حيث يتم تقديم القصة على لسان شخصية هارلي كوين اعتماداً على أسلوب الحكي المباشر بطريقة voice-over تارة واعتماداً على طريقة الرجوع للماضي flash back تارة أخرى، وساعده ذلك على رواية القصة بصورة غير منتظمة عن طريق تقديم والتأخير والالتفاف حول نفس الحدث أكثر من مرة، مما جعل السرد فوضوياً بعض الشيء وهو أمر يليق بشخصية مثل هارلي كوين كما دفع المشاهد للتشكيك في صدق تلك الروايات خاصة أن الراوي نفسه مُخادع وغير موثوق، وقد كان الفيلم متأثراً في هذا بدرجة كبيرة بفيلم Deadpool.
أما الجانب السلبي فهو يتمثل في الإفراط في استخدام ذلك الأسلوب الذي التهم مدة زمنية كبيرة تُقارب نصف الفيلم، وبالتالي بدلاً من الاستمرار في جذب انتباه المشاهد تسبب في تسرب الشعور بالملل إليه، أما ثاني السلبيات كان افتقار السيناريو لأي التواءات أو مفاجآت يُعول عليها والتزامه بالقصة التقليدية التي يمكن توقع نهايتها من البداية ولم يبذل أدنى جهد لتجنب ذلك.
لا يخفى على أحد أن فيلم Birds of Prey هو بمثابة حلقة جديدة ضمن سلسلة أفلام هوليوود -وخاصة أفلام الكوميكس- الداعمة للمرأة ويدرج ضمن ذات القائمة التي تضم Wonder Woman و Captain Marvel و Ant-Man and the Wasp، إلا أن رسائله لم تكن ضمنية كما كان الحال مع الأفلام الثلاثة الأخرى، إنما اتبع الفيلم هنا نهج التصريح وعبر عن تلك القضية بأسلوب مباشر ابتداءً من تصريح هارلي كوين بأن والدها كان يُفضل أخواتها الذكور وذُكر نفس الأمر عند التطرق إلى خلفية شخصية رينيه مونتانا حتى كلمات الأغنية التي تم اختيارها لبلاك كناري حملت نفس المعنى، هذا كله أدى إلى إثقال الفيلم بحمول زائدة تتمثل في عبارات ومشاهد يمكن اعتبارها زائدة عن الحد والحاجة.
يمثل فيلم Birds of Prey الظهور الثاني لمارجو روبي من خلال شخصية هارلي كوين ضمن عالم DC السينمائي بعد فيلم Suicide Squad، إلا أن هذه المرة استحوذت الشخصية على المساحة الأكبر من الفيلم باعتبارها محور أحداثه، وأفسح ذلك المجال أمام مارجو روبي للارتقاء بالشخصية وكشف العديد من جوانبها التي تم التغافل عنها بالفيلم الأول الذي كان في مُجمله دون المستوى.
هارلي كوين في فيلم Birds of Prey ليست مجرد فتاة الجوكر الخرقاء، إنما هي مُجرمة مُختلة يعتبر التهور والاندفاع جزءاً أصيلاً في تكوينها، ولكنها في ذات الوقت تحمل درجة الدكتوراه في علم النفس وبالتالي قادرة على التلاعب بخصومها وتحليل سلوكياتهم وتوقع ردود أفعالهم، وقد وجاء أداء مارجو روبي متوازناً بين هذا وذاك، فقد حافظت طوال مدة الأحداث على الشعرة الفاصلة بين الهستيرية والبلاهة، كما برعت في التعبير عما يمكن وصفه بـ"النضج" في شخصية هارلي كوين بعد الألم النفسي الذي تعرضت له جراء تخلي الجوكر عنها.
يعود الفضل في تميز أداء مارجو روبي إلى السيناريو الذي برع في رسم تفاصيل شخصية هارلي كوين هذه المرة وإيضاح التغيرات التي طرأت عليها نتيجة ما مرت به من فواجع على مدار حياتها تم تلخيصها وتقديمها بشكل مباشر في بداية الفيلم، لكن في المقابل لم يقم السيناريو بفعل الأمر نفسه بالنسبة للشخصيات الأخرى فجاءت أُحادية التكوين وهو ما انعكس سلباً على مستوى أداء ممثليها.
لم يكن الأداء التمثيلي بالنسبة لباقي الشخصيات -بلا استثناء- في أفضل حالاته ويرجع السبب الأول في ذلك إلى تهميش السيناريو لهم، صحيح أنه كان حريصاً على إيجاز تاريخ كل شخصية منهم في مشاهد سريعة وإبراز دوافعهم -المتمثلة غالباً في عقدة نفسية من الماضي- إلا أن ذلك لم ينعكس على أدائهم كون السيناريو بالأصل لم يفسح لهم المجال لذلك وقَصَر ظهورهم في أغلب فصول الفيلم على سلسلة من مشاهد الحركة.
يمكن القول بأن الأداء التمثيلي في المجمل كان متوسطاً وقدمت كل ممثلة في طاقم الأبطال أداءً مقبولاً في حدود ما أتيح لها، أما الأداء الأسوأ على الإطلاق كان للممثل إيوان ماكجريجور في دور رومان سيونيز \ بلاك ماسك، فقد كان أدائه باهتاً وعجز عن إثارة توتر أو ارتباك المُشاهد بأي مرة ظهر فيها على الشاشة، إجمالاً يمكن اعتباره إحدى نقاط ضعف الفيلم البارزة.
مؤلف الموسيقى التصويرية لفيلم Birds of Prey هو الموسيقار دانيال بيمبرتون الذي أعدّ الموسيقى التصويرية لعدة أفلام ناجحة مثل فيلم Steve Jobs وفيلم The Man from U.N.C.L.E وفيلم Gold وغيرهم... وقد كانت موسيقاه وألحان الأغاني هذه المرة إضافة كبيرة وحقيقية للفيلم، حيث زادت مستوى الإثارة في مشاهد الحركة -المستحوذة بطبيعة الحال على المساحة الأكبر من الفيلم- كما كان صخبها لائقاً بأن يكون خلفية للتصرفات الجنونية المتلاحقة للشخصيات.
أما الهندسة الصوتية كانت على النقيض تماماً حتى أنها في بعض الأحيان كانت تجعل الخلفية الموسيقية أو الغنائية تطغى على صوت حوار الشخصيات أو ترتفع لدرجة قد تصل إلى حد الإزعاج، يمكن ملاحظة ذلك بالمشاهد التي أعقبت اللقاء الأول بين هارلي كوين وكساندرا كين التي ارتفعت بها الموسيقى لأعلى حد تقريباً بينما كانت المشاهد نفسها متوسطة الإثارة مقارنة بباقي مشاهد الحركة والمطاردات التي احتواها الفيلم.
تمكنت المخرجة كاثي يان -من خلال ثاني أعمالها الروائية الطويلة- من تقديم عملاً سينمائياً على قدر لا بأس به من الجودة، ولعل أبرز ما يُميز أسلوبها هنا هو قدرتها على جعل الفيلم -بكامل عناصره- متسقاً مع الطبيعة الخاصة لشخصية هارلي كوين التي يغلب عليها الطابع الهزلي، وهذا يشمل أسلوب تقديم الشخصيات الأقرب إلى رسم الكاريكاتير وتوظيف مقاطع الموسيقى وتصميم مشاهد الحركة وحتى اختيار الألوان وهو الأمر الذي يمكن ملاحظته بوضوح في مشهد الانفجار الضخم في بداية الأحداث.
بشكل عام جعلت كاثي يان فيلمها -على مستوى الصوت والصورة- يعج بالجنون للدرجة التي قد تجعله يبدو في بعض الأحيان فوضوياً، لكنها كانت فوضى مقصودة ومحسوبة نابعة من طبيعة الشخصية والأجواء المحيطة وتنعكس على العمل بصفة عامة بصورة إيجابية، كما تمكنت من خلال هذا الأسلوب في الحد نسبياً من التأثير السلبي لعيوب السيناريو التي سبق ذكرها وإن لم تستطع تجاوزها بصورة كاملة.
تضمن فيلم Birds of Prey العديد من مواطن التميز وعانى في ذات الوقت من القصور في بعض النواحي لكنه في المُجمل يعتبر جيداً خاصة إذا ما تمت مقارنته بمعظم أفلام عالم دي سي الممتد وبالأخص الفيلم الأقرب إليه وهو Suicide Squad، لكن في ذات الوقت لا يمكن القول بأنه يرتقي لمستوى فيلم Wonder Woman الذي يظل -حتى الآن- الأفضل في هذا العالم السينمائي.
يُحسب لصُنّاع فيلم Birds of Prey تعلمهم من أخطاء تجارب أفلام عالم DC السابقة وحرصهم على تقديم عملاً شبه مستقل لا يرتبط بصورة وثيقة بأحداث الأفلام السابقة وغير مُثقل بالتمهيد للأفلام التالية. كانت أولويات الفيلم واضحة من البداية هو فيلم مغامرة مُسلي ولا شيء أكثر من ذلك، وإجمالاً يمكن القول بأنه أوفى بالوعود التي تعهد بها بنسبة غير قليلة وإن لم تضع عليه آمالاً كبيرة قبل مشاهدته فعلى الأغلب سوف تجده ممتعاً.