حين بدأت ديزني في إعادة إنتاج أفلام سبق وقدمتها من قبل، كان من المتوقع والمنتظر أن يأتي فيلم الرسوم المتحركة The Lion King ضمن الأفلام المقرر إعادة إنتاجها، يرجع ذلك للنجاح الباهر الذي حصدته ديزني عندما قدمت فيلم The Lion King عام 1994، فقد حقق الفيلم الكرتوني نجاحاً باهراً يصعب معه تجاهل إعادة إنتاجه مرةً أخرى مع الأفلام المقرر إعادة تقديمها.
هذا بالرغم من كون قصة الملك الأسد هي قصة طفولية في الأساس ولا تحتمل أي إسقاط سياسي أو مجتمعي يتبع سياسات التصحيح، التي عادةً ما تكون هي السبب الأول والأساسي لإعادة إنتاج القصص القديمة.
لذا يمكننا هنا حصر الأسباب التي دفعت ديزني لتقديم قصة الملك الأسد مرةً أخرى في سبب واحد فقط هو استغلال النجاح الكبير الذي سبق وحققه فيلم الرسوم المتحركة عام 1994، فذلك النجاح الساحق سيضمن لصنّاع الفيلم تحقيق إيرادات كبيرة، وهو الأمر الذي حدث بالفعل فقد تصدّر الفيلم الجديد شباك التذاكر محققاً إيرادات عالمية وصلت لأكثر من 600 مليون دولار في نهاية الأسبوع الثاني من تاريخ عرض الفيلم.
Advertisements
فالرهان هنا على تكالب الجمهور على دور العرض لمشاهدة الفيلم الجديد هو رهان مضمون ولا جدال فيه، فالغالبية العظمى سيدفعها الحنين لمشاهدة الفيلم، بينما سيذهب البعض لعقد مقارنة ما بين النسخة الكرتونية والنسخة الحية، هذا إن جاز لنا استخدام مصطلح النسخة الحية أو Live Action، فالقصة هنا لازالت بلا شخصيات حية فعلاً تحتاج للتجسيد، فكل ما تم عرضه على الشاشة هو جرافيك تم تصميمه بشكل مماثل للواقع الفعلي.
ولكن السؤال الآن بعد تلك الإيرادات الكبيرة التي حققها الفيلم، هل استطاعت ديزني أن تقدم للمشاهد عمل فني جيد؟ هذا هو ما سنتعرّف على إجابته معاً من خلال مراجعتنا لفيلم The Lion King التي سنبدأها على الفور.
عادةً ما يكون السؤال عن طريقة إدارتك لجوانب حياتك المختلفة، من الرابح القلب أم العقل؟ قد يقول قائل هنا ما دخل الحياة والقلب والعقل بما نناقشه الآن، لك يا عزيزي أقول بالرغم من أننا لا نتكلم هنا عن أمور الحياة والقلب والعقل إلا أنني سأسمح لنفسي اليوم باقتباس نفس السؤال تقريباً في مراجعة النسخة الحديثة من فيلم الملك الأسد، لأسألك أيهما تفضل يا عزيزي المشاهد، فيلم بسيط تُذيب قصته قلوب مشاهديه، أم فيلم منتج بتقنيات متطورة وجودة بصرية فائقة أبهرت عقول المشاهدين؟
أتفق تماماً مع كل من يقول أن الفيلم الناجح هو الذي يجمع ما بين اللمسة المؤثرة والتقنيات الهائلة، ولكن للأسف مع فيلم الملك الأسد بنسخته الجديدة، اختارت ديزني التضحية ببساطة تنفيذ القصة التي سبق وأذابت القلوب، واختارت أن تقدم لمشاهدي The Lion King 2019 نسخة من الفيلم مبهرة للعقول على المستوى التقني، والجودة البصرية ولكنها تقتل سحر القصة.
Advertisements
فمع تلك التقنيات المتطورة المستخدمة ليظهر الفيلم بصورة مشابهة للواقع تماماً، فقد الفيلم الجديد أي تأثير درامي لما يدور على الشاشة، فبدا الأمر وكأننا نشاهد فيلم وثائقي عن الحيوانات، وبات من المستحيل أن نرى أي انفعال على تلك الوجوه المصممة بشكل يحاكي الواقع، مما أفقد المشاهد أي فرصة للتفاعل مع ما يحدث هنا.
لذا فالاختيار الآن يقع على عاتقك يا عزيزي، هل توافق ديزني في تفضيلها للصورة المبهرة على حساب اللمسة المؤثرة؟ أم أن لقلبك رأي آخر يرفض ذلك التطور الزائد الذي أفسد كل شيء؟ بمعنى أكثر بساطة هل انبهرت بالفيلم أم أصابتك متابعته بالإحباط؟
أعلم أن المقارنة بين الفيلم القديم والجديد ستكون ظالمة للنسخة الأحدث بكل تأكيد، ولكنني مضطرة لعقد تلك المقارنة الآن، فديزني في فيلمها الجديد أعطتنا نسخة تكاد تكون طبق الأصل من الفيلم القديم، محاولات التغيير طفيفة وغير ملموسة، نقابل هنا نفس المَشاهد و نفس الحوار، ونفس كل شيء تقريباً، لذا أصبح لا مفر من المقارنة بين القديم والجديد.
عندما نقارن ما بين الأداء الصوتي الجديد والقديم سنجد أن أبطال الفيلم القديم قد قدموا لنا أداء صوتي مميز ومؤثر، إلا إننا هنا شاهدنا بعض الشخصيات بصورة ربما أفضل، أخص بالذكر زازو الذي قام بدوره المذيع الساخر جون أوليفر، وبيلي ايشنر الذي قام بدور تيمون، وأيضاً سيث روجن في دور بومبا، فبالرغم من نجاح النسخة السابقة إلا أن الثلاثة قد استطاعوا ترك بصمة مميزة هنا، ستجعلنا نتوقف لحظات لنسأل أنفسنا أي نسخة من تيمون وبومبا وزازو نريد الاحتفاظ بها في ذاكرتنا.
أما الأمر الذي جاء صادماً ومحبطاً هنا هو أداء جيمس إيرل جونز الصوتي لشخصية موفاسا، فبالرغم من أن جيمس إيرل جونز هو من قام بالأداء الرائع لدور موفاسا في الفيلم القديم، إلا أننا سنجد أن أداءه في الفيلم الجديد كان عبارة عن نسخة مكررة باهتة تماماً وغير مؤثرة على الإطلاق.
Advertisements
وصلنا الآن لـ سكار الشخصية الشريرة الأبرز في عالم ديزني، التي أجد أن صنّاع الفيلم الجديد قد أفسدوها تماماً وأفقدوها سحرها بالكامل على كل المستويات، من ناحية الشكل والصوت والمضمون.
أما سيمبا الذي قام بدوره دونالد جلوفر، و نالا التي أدت دورها بيونسيه، فقد أُفسِد الأمر تماماً هنا، وقدما لنا نسخاً رديئة للغاية ولا تقترب من روعة النسخ الأولى الأسطورية طاغية الحضور.
أعلم أن العبء الأكبر الآن يقع على عاتق القائمين بالأداء الصوتي، فمع مجسمات بلا روح تتحرك أمامنا على الشاشة، يصبح الصوت هو السبيل الأول والأخير لتوصيل الانفعالات الصحيحة هنا، إلا أننا حين نستمع لصوت مفعم بالبهجة أو محمل بالآسى، ثم ننظر لوجوه جامدة لا تعطينا أي شيء، نشعر بانفصال كبير وعدم ترابط يفسد علينا الأمر بأكمله، لذا يمكننا القول أن تقنيات الصورة المبهرة كما أفسدت على المُشاهد متعة المشاهدة، فقد تسببت أيضاً في عدم منح القائمين بالأداء الصوتي فرصة كافية للتألق هنا.
قبل أن ننهي مراجعتنا لابد وأن نشيد بموسيقى الفيلم التي قدمت لنا بعض العزاء هنا، تلك الموسيقى الذي قام بها العبقري هانز زيمر، ليقدم لنا تجربة موسيقية رائعة، وهو الأمر الذي اعتدنا عليه دائماً مع موسيقى هانز زيمر.
في النهاية يمكننا أن نقول أن ديزني قدمت لنا تحفة بصرية تبشّر بمستقبل مشرق في صناعة السينما بشكل عام، إلا أنها أخطأت تماماً في اختيار القصة المناسبة لعرض تلك التقنيات المبهرة، فقد أفسدت تلك الصورة المحاكية للواقع أي تفاعل قد يحدث هنا ما بين المُشاهد وما يدور على الشاشة، مما أفسد علينا في النهاية التمتع بتلك الجودة الفائقة والإنتاج السخي والجهد الواضح المبذول في العمل، ذلك الجهد الذي قد يكون بالرغم من كل شيء سبباً في ترشح فيلم The Lion King 2019 لنيل جائزة أوسكار في فئة المؤثرات البصرية، وهو الأمر الذي لا أتمناه هنا مع فيلم سبّب الخيبة والإحباط لمشاهديه.
Advertisements
نعود الآن للسؤال الذي بدأنا به المراجعة اليوم: هل استطاعت ديزني أن تقدم للمُشاهد عمل فني جيد؟ لنجيب عليه هذه المرة بلا مؤكدة وقاطعة، فقد انقلب سحر ديزني عليها ولم تستطع مجرد الإقتراب من روعة الفيلم القديم، كما لم تستطع أيضاً تقديم عمل فني مقبول للمُشاهد.