نظرة أقرب على العرّاب فيتو كورليوني.. لماذا أصبح شخصية أيقونية؟
اسم الدون فيتو كورليوني هو أول ما يتبادر إلى الذهن عند التطرق للحديث عن أفلام المافيا أو الأفلام التي غاصت في أعماق عالم الجريمة المنظمة، ليس فقط لأن الشخصية ظهرت ضمن أحد أبرز وأشهر أفلام تلك الفئة وهو فيلم The Godfather الذي يُعد أيضاً من بين الأيقونات السينمائية البارزة والمميزة، إنما لأن الشخصية في حد ذاتها كانت مُتفردة وبالغة التميز في مناحي عديدة.
تعتبر شخصية فيتو كورليوني أيضاً أول شخصية سينمائية يفوز اثنين ممثلين عنها بجائزة الأوسكار، حيث فاز مارلون براندو بجائزة الأوسكار عن تجسيده للشخصية في فيلم The Godfather، ثم حصل روبرت دي نيرو على جائزة الأوسكار لأفضل ممثل مساند لتجسيده ذات الشخصية في مرحلة الشباب في فيلم The Godfather II.
الفضل الأول في تخليد شخصية فيتو كورليوني بذاكرة السينما يعود للكاتب ماريو بوزو الذي قدمها روائياً قبل أن يعيد صياغتها من خلال سيناريو الفيلم ومن بعده المخرج فرانسيس فورد كوبولا، حيث نجح الثنائي في تكوين شخصية بديعة دقيقة التفاصيل بعيدة كل البُعد عن السطحية وخارجة عن النمط المألوف، وفيما يلي نستعرض بعض الجوانب التي مَيّزت تلك الشخصية السينمائية الشهيرة.
ليس سفاحاً بعد كل شيء
© Paramount Pictures |
تم التطرق إلى ثلاثية أفلام The Godfather بصفة عامة وشخصية دون فيتو كورليوني بشكل خاص من خلال مئات -وربما آلاف- المقالات النقدية والتحليلية، تم من خلالها تناول الشخصية من مناظير متعددة وتحليلها من خلال رؤى متنوعة، لكن هل تساءلت يوماً كيف ينظر دون فيتو كورليوني نفسه لنفسه؟!
وردت الإجابة على هذا السؤال -الذي يبدو للوهلة الأولى غريباً- بكلمات قليلة خلال المشاهد الافتتاحية للجزء الأول، حيث يقوم فيتو كورليوني بتوجيه رجاله بحل مشكلة الرجل الذي لجأ إليه من أجل الثأر لابنته، وفي خاتمة الحديث يقول الدون "لسنا قتلة برغم ما يعتقده ذلك الحنوتي!"، ويمكن اعتبار هذا القول المُقتضب -وحوار المشهد الافتتاحي بالكامل- تلخيصاً للصورة التي كونها كورليوني عن نفسه والتي يتمنى أن يراه الجميع عليها.
يرفض فيتو كورليوني بشكل قاطع الإقرار بأنه يقود امبراطورية إجرامية، إنما يرى نفسه رجلاً محترماً يمارس أعمالاً تجارية تتعارض مع تعاليم الكنيسة وبعض القوانين، وأن تلك الأعمال قد أكسبته سطوة ونفوذاً يستخدمهما لحماية أعماله وردع أعدائه، ولكنه في ذات الوقت يحاول أن يحظى باحترام المحيطين وخاصة صفوة المجتمع من السياسيين وكان هذا دافعه الرئيسي لرفض الاتجاه إلى الإتجار بالمخدرات، والذي كان سبباً في اشتعال الصراع الرئيسي بالجزء الأول.
الدهاء يسبق الرصاص
© Paramount Pictures |
أهتم الكاتب ماريو بوزو والمخرج فرانسيس فورد كوبولا برسم أدق تفاصيل وسمات شخصية فيتو كورليوني، ويأتي في صدارة تلك السمات الذكاء الحاد الذي يعتبر مصدر قوته الحقيقية، والسلاح الفعلي الذي أعانه على بناء امبراطوريته وحمايتها والتربع على عرشها لسنوات طويلة، فيمكن القول أن من العوامل الرئيسية التي أبرزت شخصية فيتو كورليوني عن غيرها أنه كان مُخططاً بارعاً ويمتاز ببُعد النظر.
تم تقديم شخصية فيتو كورليوني في هيئة أقرب إلى رؤساء الدول أكثر من رؤساء العصابات، فرغم امتلاكه الرجال والسلاح الذي يحمي به أعماله المشبوهة، إلا أنه لا يلجأ إلى العنف إلا عند الضرورة وبخلاف ذلك يحاول الاعتماد بشكل كامل على نفوذه وشبكة علاقاته الضخمة، كما أنه سياسي مُحنك بارع في التلاعب بقاعدتي الترغيب والترهيب معاً، أو ما يُلخصه في مقولته الشهيرة "سوف أقدم له عرضاً لا يستطيع رفضه".
وُلِد من رحم المُعاناة
© Paramount Pictures |
أبهرت شخصية فيتو كورليوني مشاهدي الجزء الأول من سلسلة "العرّاب The Godfather"، لكنهم ازدادوا انبهاراً بها بعد مشاهدة الجزء الثاني من ذات السلسلة، والذي سلط الضوء على نشأته في صقلّية ورحلته إلى نيويورك وأبرز الأحداث التي مَرّ بها في مرحلة شبابه والتي قادته إلى تكوين العائلة الإجرامية في نهاية المطاف.
ركزت أحداث فيلم The Godfather II على الجانب الخفي من شخصية فيتو كورليوني متمثلاً في ماضيه المحاط بالغموض، لنكتشف أنه تم إجباره بشكل عام للدخول إلى العالم السفلي للجريمة ودفعته الظروف دفعاً للمضي به لأبعد مدى، وكان هدفه الأول من ذلك تكوين الثروة والحصول على سلطة تكفل له ولعائلته الحماية وفي ذات الوقت تمكنه من الثأر لعائلته التي لقيت مصرعها بأيدي أحد المجرمين النافذين في صقلّية، وقبل هذا وذاك تضمن له عدم التعرض للفظائع التي شهدها في طفولته مرة أخرى.
الفيلم الثاني من الثلاثية الشهيرة أفسح مجالاً كبيراً للتوغل في ماضي شخصية فيتو كورليوني وأوجد تبريرات ودوافع لكل ما قام به وما صار عليه، وساهم ذلك في بلورة الشخصية بصورة أكبر وأضفى عليها عمقاً وثقلاً خاصة مع الأداء الرائع لروبرت دي نيرو الذي جسدها في مرحلة الشباب.
الالتزام الأسري والجانب الإنساني
© Paramount Pictures |
كانت العائلة هي محور اهتمام فيتو كورليوني دائماً كما اتضح من المشاهد الأولى بالفيلم الأول The Godfather وهو ما تم التأكيد عليه مراراً بأحداث الفيلم الثاني The Godfather II، وقد كان ذلك من أبرز العوامل التي ميّزت شخصية فيتو كورليوني عن معظم شخصيات رجال العصابات وزعماء عائلات المافيا بشكل خاص وجعلته أحد أشهر وأبرز الشخصيات السينمائية بصفة عامة، إذ يمكن القول بأن هذا العامل تحديداً جعل الشخصية أكثر واقعية مما زاد رصيد مصداقيتها لدى المشاهد.
أَولى فيلم The Godfather اهتماماً خاصاً بالجانب الإنساني لشخصية الدون فيتو كورليوني وحرص على إبراز الازدواجية في شخصيته منذ البداية، من خلال رصد طبيعة علاقته بأبنائه والمُقربين منه وانشغاله الدائم بهم، مما حرر الشخصية من القالب الجامد المعتاد لهذا النمط من الشخصيات، ولم يتم تقديمها في صورة شيطان مريد أو سفاح مُتبلد المشاعر، بل شاهدنا خلال أحداث الفيلم الوجهين -المُعلن والخفي- لفيتو كورليوني ورأينا في ذروة جبروته وفي قمة ضعفه.
السياسة والخطوط الحمراء
© Paramount Pictures |
جرت العادة على أن يتم تقديم أباطرة الجريمة في صورة أشخاص يستهينون بالأحداث والآخرين، مصابون بداء جنون العظمة وعلى أتم الاستعداد للقيام بأي شيء في أي وقت، للدرجة التي تجعلهم أشبه بمجموعة وحوش أسطورية بلا عقل، ولكن الأمر ليس كذلك بالنسبة لشخصية الأب الروحي فيتو كورليوني الذي كان له العديد من الخطوط الحمراء التي وضعها لنفسه والتزم بها.
يتمثل أحد مصادر قوة فيتو كورليوني في وعيه التام والدقيق بمدى قوته النابع في الأساس من حكمته وعقليته الراجحة، وهو ما اتضح -على سبيل المثال- من موقفه المُعادي للإتجار في المخدرات رغم العائدات الهائلة التي يمكن تحقيقها من خلالها، على عكس الآخرين من زعماء العائلات الذين تهافتوا على تلك التجارة سعياً وراء الربح السريع، بينما كورليوني وحده كان يرى تأثيرها بعيد المدى.
موقف بارز آخر يوضح حنكة فيتو كورليوني وهو سعيه للاتفاق على الهدنة مع العائلات الأخرى وفي مقدمتها عائلة "تاتاليا" عقب تعرضه لمحاولة اغتيال وبعد مصرع ابنه "سوني"، وذلك لعلمه بأنه في موقف ضعيف وإذا اشتعلت الحرب بينه بمفرده وبين أباطرة الجريمة المُنظمة مُجتمعين سوف يكون هو الخاسر بكل تأكيد.
التكوين الجسدي والحركي
© Paramount Pictures |
العين تنجذب قبل العقل وهنا يأتي دور التكوين الخارجي لشخصية فيتو كورليوني الذي أبدعه الممثل مارلون براندو في الأساس بموافقة المخرج فرانسيس فورد كوبولا، والذي لا يمكن إنكار دوره في بلوغ تلك الشخصية للمكانة التي تحظى بها اليوم في عالم الفن السابع، ابتداءً من مظهر الوجه الذي اختاروا أن يكون أقرب إلى أحد فصائل الكلاب، وصولاً إلى الهيئة العامة التي تجعل الشخصية أكثر هيبة ووقاراً.
أداء مارلون براندو البارع والمُتقن والمُتزن ساهم أيضاً في الارتقاء بتلك الشخصية بصورة كبيرة، فقد كان قليل الحركة لا يستخدم التعبيرات الجسدية كثيراً مما يزيده غموضاً ويجعل من الصعب معرفة ما يدور بعقله أو كشف حقيقة إحساسه تجاه شخص أو حدث معين، وصولاً إلى نبرة الصوت التي استخدمها للشخصية التي امتازت بالهدوء والثقة حتى في أحلك المواقف.
أنظر أيضاً: أعظم 10 أفلام من الألفية الجديدة يجب على كل عاشق للسينما أن يكون قد شاهدها