أتساءل ويتساءل معي الكثير عن الأسباب التي دفعت ديزني إلى إعادة إنتاج أعمال سبق وقدمتها من قبل وحققت بها نجاحًا باهرًا، الحقيقة أن الأمر لم يقتصر على شركة ديزني وحدها ولكنه أصبح إتجاه كبير له رواده وقوانينه، مما دفع بي دفعًا نحو تحليل وتفسير تلك الظاهرة في محاولة مني للوصول إلى الأسباب الصحيحة لذلك الإتجاه وفهم دوافع القائمين عليه.
بعد البحث والتحليل استقر الأمر على عدد من الأسباب، دعنا نتعرّف عليها ونحاول تطبيقها على فيلمنا محل المراجعة والتحليل اليوم لنحصل في النهاية على إجابات وافية ومراجعة دقيقة لكل جوانب فيلم Aladdin.
Advertisements
فقر إبداعي
هناك من يشير إلى أن إعادة إنتاج الأعمال السابق تقديمها هو فقر إبداعي ناتج عن قريحة جفت وأصبحت لا تستطيع تقديم أفكار ناجحة جديدة. في فيلمنا اليوم لا نستطيع أن نقول أن الفقر الإبداعي هو سبب إعادة إنتاج الفيلم مرةً أخرى، فالفيلم الجديد بالرغم من محافظته على روح الفيلم الأصلي إلا أنه جاء يحمل تجديدًا ناجحًا ظهر بوضوح في إعادة توزيع الأغاني في الفيلم بإيقاع وأداء جديد أكثر مرحاً من سابقه ونخص بالذكر هنا أغنية "One Jump Ahead" التي جاءت أفضل من النسخة الأولى لها، كما تم إضافة شخصيات جديدة استطاع الفيلم أن يحصد بها نجاحًا إضافيًا.
استثمار نجاح سابق
السبب الثاني والأكثر ترجيحًا في رأيي الشخصي هو إعادة إستثمار النجاح الساحق الذي سبق وحققته تلك الأعمال فيما مضى، فإعادة إنتاج أعمال ناجحة سيدفع الجميع نحو مشاهدتها مرةً أخرى لأكثر من سبب، فهناك من سيشاهد العمل لإعجابه بالفكرة التي يعرفها وشاهدها مسبقًا، وهناك من يبحث عن المقارنة وسيشاهد العمل الجديد ليقارنه بالعمل السابق بحثًا عن نقاط التشابه والإختلاف، والبعض سيدفعه الحنين والنوستالجيا للذهاب للسينما لاسترجاع ذكريات أيام طيبة ولت... أيًا كانت الأسباب فالنتيجة واحدة وهي تكالب الجمهور على شباك التذاكر لمشاهدة إعادة إنتاج عمل كلاسيكي شهير.
وهو الأمر التي أثبتته هنا النتائج والإيرادات الفعلية لفيلم Aladdin 2019، حيث تجاوزت إيرادات الثلاثة أيام الأولى فقط لعرض الفيلم في أمريكا الشمالية الـ 85 مليون دولار، مما ساعد ديزني على تصدّر شباك المبيعات مرةً أخرى وتخطي أزمة العام الماضي مع فيلم الخيال العلمي Solo: A Star Wars Story الذي جاء مخيبًا للآمال المرجوة منه.
أما السبب الأخير لإعادة إنتاج الأعمال القديمة هو إختلاف قواعد وقوانين الزمن الحالي عن الزمن الذي تم تقديم العمل الأصلي فيه، بالنظر لتاريخ عرض الفيلم الأول عام 1992 وفيلمنا اليوم عام 2019 قد يقول البعض أن الفترة قصيرة نوعًا ولا تحتاج لإعادة إنتاج الفيلم مرةً أخرى، ولكن بالرغم من قصر الفترة إلا أنها تعج بالقوانين والسياسات والإتجاهات الجديدة.
العنصرية: على سبيل المثال، هي النغمة العالية الآن فالجميع أصبح ينادي بنبذ العنصرية بكل صورها، وهو الأمر الذي نجحت فيه ديزني هنا بتفوق حين إختارت مينا مسعود الممثل مصري الأصل للقيام بدور علاء الدين الشخصية العربية الشرقية الشهيرة. كما قامت ديزني أيضًا باختيار مروان كنزاري الممثل ذو الأصل العربي التونسي للقيام بدور شرير الفيلم الوزير جعفر.
تناول الشخصية النسائية في الفيلم: نعلم جميعًا كما تعلم ديزني أيضًا الحركات الثورية التي تقوم بها النساء حول العالم لنبذ أي مظاهر لضعف المرأة، أو تقييد حريتها وإعتبارها تابع مفعول به، لذا حين قامت ديزني بإعادة إنتاج شخصية جاسمين أو الأميرة ياسمين هنا، جعلت منها شخصية حرة قوية ذات كيان مستقل وغير تابع لحبيب أو قريب، وأضافت للعمل أغنية Speechless الجديدة لتدعم بها تلك الفكرة وتساند بها روح الفيمنيست القوية الجديدة.
والآن بعد أن تعرّفنا على الأسباب التي دفعت ديزني لإعادة تقديم تحفتها الكلاسيكية Aladdin مرةً أخرى، دعنا ننتقل لنقييم أداء أبطال العمل المجسدين للأربعة شخصيات الرئيسية في الفيلم.
بالرغم من أن البطل الأساسي لدينا هنا هو علاء الدين إلا أنني لم أستطع تجاوز الجني والبداية مع شخصية أخرى، فدور جني المصباح كان يعد هو مصدر القلق الأكبر لصنّاع الفيلم الجديد، فبعد الأداء المذهل للراحل روبن ويليامز لدور جني المصباح أصبح من الصعب والمرعب في نفس الوقت على أي ممثل آخر مجابهته وإعادة تقديم الدور، إلا أن ويل سميث هنا استطاع بذكاء وحرفية عالية أخذ الدور بعيدًا عما قام به روبن ويليامز الذي اعتمد في أداءه الصوتي على تقديم عدد كبير من الشخصيات مختلفة الانفعالات. ما حدث هنا مختلف تمامًا، فقد قرر صنّاع الفيلم ومعهم ويل سميث الابتعاد التام عن تقليد روبن ويليامز وأداء الدور بشكل جديد ملائم للأسمر خفيف الظل ويل سميث، فأصبح نجاح الدور راجع في الأساس لشهرة ونجاح ويل سميث القائم به.
كما سبق وأشرنا أن السبب الأول في اختيار مينا مسعود للدور الرئيسي في الفيلم هو النجاة من فخ العنصرية البغيضة الذي أصبح مؤخرًا يبتلع في طريقه العديد من الأفلام، مما أعطى الممثل المصري الجديد فرصة كبيرة هنا، يمكننا القول أنه نجح في اقتناصها وقدم لنا علاء الدين الجديد بشكل مميز ومرح أحبه الصغار والكبار، ساعده في ذلك تكوينه الجسماني الصغير وأداءه الفرح الصيباني نوعاً ما، وقدراته الصوتية التي مكنته من أداء أغاني الفيلم بشكل جميل وملائم لما ننتظره منه.
نستطيع القول هنا أن ناعومي سكوت البريطانية ذات الأصل المزدوج من أب بريطاني وأم هندية تألقت تمامًا في دور الأميرة الجميلة ياسمين وأثبتت نفسها كممثلة موهوبة ومغنية متميزة، وقد ساعد على ذلك الفيلم حيث أفرد لها مساحة أكبر ودور أكثر عمقًا من سابقه لأسباب سبق وتطرقنا إليها سلفًا.
يعد دور الوزير جعفر الشرير من نقاط ضعف العمل، قد يكون ذلك راجعًا لأداء مروان كنزاري الباهت الذي لم يعطي شخصية قوية مثل شخصية جعفر حقها كاملًا، هذا بالإضافة إلى السيناريو الجديد الذي لم يعطي الشخصية مساحة مناسبة لتظهر بالصورة والحضور المتوقع منها كواحدة من أهم وأبرز شخصيات الحكاية الكلاسيكية المعروفة.
وصلنا الآن لآراء النقاد التي جاءت متضاربة، وانقسمت بين مؤيد ومعارض، ومن اختار أن يبقى وسطيًا ويمنح الفيلم تقديرًا متوسطًا، لكننا في النهاية نخبرك عزيزي القارىء والمشاهد أن الفيلم استطاع أن يحقق لنا السحر الغنائي والبصري المتوقع والمنتظر من القصة المعروفة، بالرغم من غرابة اختيار ديزني لـ جاي ريتشي مخرج الأكشن البريطاني الشهير لإخراج فيلم عائلي فانتازي مختلف تمامًا عما سبق وقدمه، إلا أنه نجح في تقديم فيلم لطيف مسلٍ قد لا يضاهي النسخة الكرتونية الرائعة إلا أنه فيلم مبهج مناسب تمامًا للمشاهدة العائلية وقضاء ساعتان من المرح والبهجة الخالصة.
الفيلم من بطولة ويل سميث، مينا مسعود، ناعومي سكوت. سيناريو وحوار جون أوجوست، جاي ريتشي، ومن إخراج جاي ريتشي.