مراجعة مسلسل Chernobyl.. ستشاهد كيف اندلعت كارثة تشيرنوبيل النووية وكأنك تعيشها من جديد
عندما أصدرت شركة HBO العرض الدعائي لمسلسل يحمل إسم تشيرنوبيل كان الأمر مثيرا للفضول فقط ولم أكن أتوقع الشيء الكثير حقا، ربما مسلسل آخر سيخلق ضجة كعادة الكثير من الأعمال التلفزية ويُنسى من بعد، أو قد يكون مسلسل سيء يندثر مع رياح الفشل، لكن... بمجرد مشاهدتي للعرض الدعائي تغيرت نظرتي من الجنوب إلى الشمال في اتجاه مدينة تشيرنوبيل. عرض دعائي مدته حوالي الدقيقتين والنصف كان كافيا ليُغير نظرتي من الفضول إلى الاهتمام.
عرض دعائي فقط، يحمل كل تلك الواقعية المرعبة! كيف سيكون إذا المسلسل؟ كل شيء فيه كان مثيرا للاهتمام لكي تنتظر هذا المسلسل عندما يصدر. مشاهد مفزعة، حوارات جدية حول وقوع شيء ما كارثي، كلمات باللغة الروسية مكررة ممزوجة بموسيقى مرعبة في الخلفية مثل "внимание" أو "انتباه"... كل ذلك جعلني أنتظر بشدة هذا العمل التلفزي الذي بدون شك سيكون مذهل هذه السنة.
أولا، تدور قصة Chernobyl خلال سنة 1986 شهر أبريل/نيسان، حيث يقع انفجار ضخم في محطة تشيرنوبيل للطاقة النووية في منطقة اتحاد الجمهوريات السوفيتية الاشتراكية سابقا ليُصبح واحدا من أسوء الكوارث التي وقعت على كوكب الأرض من صنع الإنسان.
أهم شيء مذهل حول مسلسل تشيرنيبول هذا هو شدة واقعيته. على المستوى الفني كانت الديكورات والأكسيسورات والملابس وكأنها فعلا من تلك الحقبة، على المستوى الدرامي كان أداء الممثلين والحوارات واقعية لدرجة كبيرة لا تجعلك أمام مسلسل فقط وإنما تجعلك تعيش الرعب الذي تعيشه شخصياته وعاشه أبطال القصة الحقيقية.
وما يزيد الأمر اهتماما هو أن هذا المسلسل ليس بقصة درامية خيالية، فعندما تكون في خضم حلقاته ترجع للوراء قليلا وتُذكّر نفسك أنك تشاهد قصة واقعية حدث فعلا وليس تخيلات من الكاتب. الجميع يعرف عن كارثة تشيرنوبيل في سنوات الاتحاد السوفياتي، وما يوثقه هذا المسلسل يبدو وكأنك تشاهد فيلم وثائقي أو تعيش الأحداث مرة أخرى.
ولأقربك من الصورة أكثر، كان قد ذكر كتاب ومطوري المسلسل أنهم في البداية كانوا قد قاموا بأبحاث معمقة جدا من أجل تصوير الأحداث كما هي. قالوا أن شدة الواقعية التي يتميز بها المسلسل تصل إلى درجة محاولة محاكاتهم لأصغر الحوارات التي نشاهدها مع الحوارات التي دارت بين أولئك الضباط والعلماء... عندما وقعت تلك الكارثة. ثم هناك أيضا اختيار الممثلين الذي كان جد صارم لدرجة أنهم قاموا بمقارنة صور أولئك الأشخاص الذين عاشوا الكارثة مع ممثلين لهم نفس الصفات الخارجية.
مسلسل Chernobyl يمكن وصفه بالمصدر الذي يمكن الرجوع إليه لتعرف أكثر عن تلك الكارثة التاريخية. ففي زمن أصبحت فيه الأخبار تُزيف بسهولة ويصعب إيجاد الحقيقة، تشيرنوبيل يقدم درس لمن يريد أن يتلاعب بالحقيقة، وهذا بالظبط ما حاول الاتحاد السوفياتي عندها القيام به من أجل تعتيم الصورة حول ما يحدث هناك، إذ أن المسلسل يوثق كل تلك الجهود والمحاولات اليائسة التي قام بها السوفيات لإخفاء ما يحدث في تلك البلدة عن بقية العالم، لكن كارثة بذلك الحجم لم يكن بمقدور أي أحد إخفائها لأنه كانت تُهدد كوكبا بأكمله وليس فقط الدول المجاورة. المسلسل كان بارعا جدا في إظهار هذا الجانب الخطير من خلال جعل المُشاهد يستوعب أن كارثة تشيرنوبيل كانت حقا شيء مرعب لا يمكن تصوره.
يعتبر هذا المسلسل بعيد كل البعد عن كل تلك التفاهات التي تُعرف على هذا هوليوود من أبطال خارقين ينقذون الموقف... من الأول يعدك المسلسل بقصة لا بطولية ولا خارقة بل سرد لأحداث واقعية بواقعية دقيقة جدا. يزيد فيك ذلك الإحساس بأنك أمام كارثة قد وقعت فعلا وليس خيال من الكاتب.
ومن الأمور المثيرة للاهتمام حول هذا العمل التلفزي هو أنه بعد عرض الحلقات الأولى، قالت السلطات والجهات المكلفة في منطقة تشيرنوبيل بأوكرانيا أن نسبة السياحة في المنطقة قد ارتفعت بحوالي 40 في المائة بعد انطلاق عرض المسلسل، الشيء الذي يثبت أن هذا المسلسل جاء ليذكرنا بواحد من أخطر وأفجع الكوارث التي وقعت على سطح المعمورة.
ثم كان هناك خبر آخر عجيب نوعا ما، أن السلطات الروسية لم يعجبها ما قدمته HBO في هذا المسلسل بالإضافة إلى نسبة السياحة التي ارتفعت في تشيرنوبيل بعد عرضه. إذ قالت التقارير أن السلطات الروسية تحاول تغليط المشاهدين بأن ما يُعرض في هذا العمل هو عبارة عن بروباغندا فقط. كما أنهم غاضبين على أن أمريكا سبقتهم في إنتاج مسلسل حول هذه الكارثة، إذ أن القناة الروسية NTV تقوم حاليا بالترويج لمسلسلها الخاص حول الأمر تسرد فيه كيف أن السبب في تلك الكارثة هو جاسوس من وكالة الإستخبارات المركزية CIA تم إرساله سنة 1986 لتخريب ذلك المفاعل رقم 4 وتعطيل الاتحاد السوفياتي في ذلك الوقت في مجال الطاقة النووية.
© HBO |
الأمر يبدو فعلا سخيف، فكل ما أراه في هذا المسلسل هو فقط إعادة سرد ما حدث في ذلك اليوم المشؤوم وما تلاه من عواقب وخيمة كان سببها الجشع السياسي. لكن قد نبدو هنا منحازيين بعض الشيء إذا قلنا أن ما يسرده لنا المسلسل هو فعلا حقيقي مائة في المائة. فهو يبقى عمل فني تمثيلي متحكم فيه، لذلك لابد وأن تجد بعض الأشياء التي إما بالغ فيها القائمون على المسلسل أو تم نسيانها وإغفالها، خصوصا إذا شاهدت الحلقة الخامسة والأخيرة التي كانت سياسية محضة.
حيث تم شرح بالتحديد ما حدث ليلة الكارثة الثانية بالثانية، وكيف أن السبب في ذلك وفي عموم الأمر تتحمله السلطات السوفياتية في ذلك الوقت. هذه الحلقة كانت رائعة ومثيرة جدا، لكن هل كانت دقيقة وواقعية كباقي الحلقات الأربع السابقة؟ سؤال لن نستطيع الإجابة عليه. لكن المهم هو أن مسلسل Chernobyl ذكّرنا بواحد من أخطر الكوارث التي وقعت في التاريخ من صنع أسود الرأس، من صنع الإنسان. وأن ميدان الطاقة النووية ليس بالميدان الذي يجب أن نتهاون فيه ولا التلاعب معه.
أنظر أيضاً: أفضل 10 مسلسلات في سنة 2017