مراجعة فيلم Green Book.. عزف هادئ على نغمة التمييز العنصري
حين تُذكر أمريكا في ستينات القرن الماضي، يتجه ذهن المشاهد على الفور نحو التمييز العنصري ضد أصحاب البشرة السوداء، يحدث ذلك بسبب العدد الكبير من الأعمال الفنية المقدمة مؤخرًا التي تناولت تلك العنصرية البغيضة، وهو أمر متوقع ومنطقي أن نجده على الشاشة الآن، فما سبق وعانى منه أصحاب البشرة السوداء يستحق أن نزيح عنه الغطاء ليتعرّف الجميع على نماذج حفرت الصخر لتحقق المساواة والعدالة بين كل أفراد المجتمع.
ولكن بالرغم من حصول تلك الأعمال الفنية على العديد من الجوائز، إلا أنها تلاقي قبولًا أو نجاحًا جماهيريًا أقل، وذلك بسبب الطريقة التي تقدم بها، ليخرج العمل في نهاية الأمر بصورة حادة وربما مزعجة كقرع طبول مدوي نتمنى لو ينتهي لننعم بالهدوء. فعادةً ما يُقَدم لنا الفيلم كحربٍ دائرة بين الشياطين البيض والملائكة السود، وهو الأمر الذي يضع المشاهد في حالة تحفّز مستمر لا تسمح له بالتعلّق بالقصة بشكل كبير، فالحكاية كلها معركة يكسبها أصحاب البشرة السوداء في النهاية بعد معاناة طويلة ثم ينتهي كل شيء بعد ذلك.
ولكن الأمر هذه المرة مختلف، فقد قدم لنا فيلم الكتاب الأخضر نغمة هادئة ساحرة، تناولت التمييز العنصري ضد السود كباقي الأفلام، إلا أنها قدمت الأمر من خلال تفاصيل العلاقة الإنسانية المعقدة و المؤثرة بين الأبيض توني ليب الذي يقوم بدوره "فيجو مورتينسن" والأسود دون شيرلي الذي قام بدوره "ماهرشالا علي"، علاقة قوية تمر بالعديد من المنعطفات، التي سنتعرف عليها بالتفصيل من خلال جولة قصيرة مع الكتيب الأخضر هذا، دعنا نبدأها على الفور.
توني ليب.. المخادع صاحب المبادئ!
© 2018 Universal Pictures |
يحمل توني ليب الضخم الأبيض كمعظم أبناء جيله ووطنه نفس الأفكار والنظرة والتصرفات العنصرية ضد السود، نتعرف على تلك النظرة في البداية بصورة سريعة وقاطعة حين يقوم توني بالتخلّص من أكوابه الزجاجية في سلة المهملات بعد أن استخدمها اثنان من أصحاب البشرة السوداء!
حين ترغم الظروف توني ببنيته الضخمة وروحه الجريئة وعزة نفسه الشديدة على العمل لدى شخص أسود لمدة شهرين، حيث سيقوم بدور سائق وحارس شخصي لدون شيرلي في رحلته إلى الجنوب، للمشاركة في عدد من الحفلات الموسيقية، نتوقع هنا أن يشتغل الموقف، لنشاهد سلسلة من التصادمات لا تنتهي بين الطرفين، إلا أن ما يحدث هو عكس المتوقع! فالبرغم من البداية المشحونة بالتوتر، إلا أننا نكتشف كما يكتشف توني أنه يحمل قدرًا من الإنسانية والجرأة تمكنه من تغيير أفكاره عندما تُثبت التجربة عدم صحتها، لتتحول العلاقة المعقدة تدريجيًا إلى رفقة طيبة توطد صداقة قوية تمتد حتى نهاية العمر.
دون شيرلي.. الغاضب كبُركان لن يثور
© 2018 Universal Pictures |
الأسود الأنيق الحاصل على الدكتوراه في الفنون الموسيقية، الذي كان قادرًا بدماثة أخلاقه على تغيير الفكرة السائدة لدى توني عن أصحاب البشرة السوداء، يحمل بداخله بركان غضب لم يسمح له يومًا بالثورة، فبدا لنا من خلال أحداث الفيلم كمن يمشي حذرًا فوق حافة عالية فيخشى السقوط طوال الوقت، حالة فريدة لا نستطيع معها إلا أن نظهر مع القليل من الشفقة الكثير من التقدير والاحترام، فمع تقبّل دون شيرلي لتصرفات المجتمع الخاطئة رغم عدم رضاه أو موافقته عليها، إلا أنه يعرف تمامًا كيف يحافظ على كرامته بهدوء ودون الدخول في صراعات ومعارك سيفقد فيها أكثر مما يكسب.
في النهاية ومع الأحداث السلسة والإنسانية نستطيع أن ندرك مدى التغير الواقع لكل طرف بسبب الآخر، كما سنكتشف مع توني ليب و دون شيرلي أنه بالرغم من الإختلاف الكبير بينهما إلا أنهما على ما يبدو يحملان نقاط تشابه أكثر مما كانا يظنا وكنا نظن معهما.
ما بين حوار مدروس وأداء حركي مميز بتفاصيله الدقيقة نستطيع تحقيق معادلة النجاح
© 2018 Universal Pictures |
بالإضافة إلى ما يقدمه لنا الفيلم من جمل حوارية موظفة بعناية، لدعم الفكرة الإنسانية للفيلم، فقد كان الأداء الجسدي والحركي لأبطال الفيلم "فيجو مورتينسن" و "ماهرشالا علي" متوّجا بتفاصيل داعمة للكلمات المكتوبة والحالة المعروضة على الشاشة، فمع ذلك الأداء الحركي المميز للأبطال تستطيع أن تتعرف بسهولة على طبيعة شخصياتهما قبل حتى أن تستمع لكلماتهما المؤثرة.
إيقاع بطيء لابد منه
© 2018 Universal Pictures |
هناك من يقول أن الفيلم به قدر من الملل في نصفه الأول، إلا أني بعد مشاهدتي للفيلم وجدت أن كل ما قُدم في البداية كان تمهيدًا ضروريًا لما سنصل إليه في نهاية العمل لم أحصل على لقطة واحدة غير مبررة، ربما كان الإيقاع بطيء نوعًا ما إلا أنه مفهوم ومبرر، فلكي تشعر بروعة التغيير الحاصل بالتدريج مع مرور الأحداث لابد لك أن تتفهم البداية بكل تفاصيلها أولًا.
الفيلم مقتبس من القصة الحقيقية لحياة عازف البيانو الأمريكي من أصل أفريقي دون شيرلي، الذي ظل على علاقة صداقة قوية مع توني ليب إلى أن توفى هذا الأخير في 4 يناير عام 2013 ليلحقه الأول بعد ثلاثة أشهر تقريبًا في 6 أبريل 2013، ليحققا بذلك نهاية تليق بصداقتهما الغريبة والإنسانية جدًا.
فاز الفيلم بعدد كبير من الجوائز ومرشح للفوز بجائزة الأوسكار عن خمسة فئات، من بينها أفضل فيلم وأفضل نص سينمائي أصلي وأفضل ممثل. الفيلم من بطولة فيجو مورتينسن و ماهرشالا علي، سيناريو وحوار بريان هايز كوري و بيتر فاريلي و نيك فاليلونجا، وإخراج بيتر فاريلي.
أنظر أيضاً: أعظم 10 أفلام من الألفية الجديدة يجب على كل عاشق للسينما أن يكون قد شاهدها
i like this movie so much..