أفلام رائعة أظهرت لنا كيف أثرت الرواية العربية في السينما المصرية
لا أحد يستطيع إنكار الدور الهائل الذي لعبته الرواية العربية في السينما المصرية، يكفينا نظرة واحدة لمكتبة السينما في القرن الماضي لنخرج منها بعدد هائل من الأفلام الرائعة المقتبسة عن روايات أكثر روعة.
بالطبع لن يتسع المجال لحصر كل تلك الأعمال الرائعة، فقد حبانا الله بمجموعة من الأدباء الذين أثْروا السينما العربية بالعديد والعديد من المؤلفات أصبحت بعد ذلك أفلام متميزة حصلت على رضا الجمهور والنقاد، لذا فقد اخترت أن أقدم لكم نبذة سريعة عن خمسة أفلام قريبة لقلبي، أثرت بي وصنعت ذكرياتي وشخصيتي.
والآن دعونا نبدأ جولتنا على الفور مع نجيب محفوظ الذي حفظت الأفلام المقتبسة من رواياته لنفسها مكانة كبيرة في قلوب وعقول المشاهدين. هناك عدد كبير من روايات نجيب محفوظ التي تحولت لأفلام رائعة وهامة مثل اللص والكلاب، زقاق المدق، الحرافيش، ثرثرة فوق النيل، وغيرها الكثير، ولكني إخترت أن أتكلم عن الجزء الأول والأقرب لقلبي من ثلاثية نجيب محفوظ الشهيرة (بين القصرين، قصر الشوق والسكرية).
5 بين القصرين
أعشق هذا الفيلم الذي شاهدته عشرات المرات قبل أن أبدأ في قراءة الرواية المُقتَبس منها، إذ يعرض لنا حياة السيد أحمد عبد الجواد وأسرته الكبيرة أثناء فترة الإحتلال البريطاني وقبل قيام ثورة 1919، وهي فترة هامة في تاريخ مصر وكل المصريين.
ويحكي الفيلم ثمانية حكايات مختلفة تم دمجها في كيان واحد، حيث يتناول الفيلم حياة ثمانية أفراد مختلفين كل الإختلاف يعيشون في منزل واحد، منزل يشتعل بالحياة والمشاحنات والمصالحات طوال الوقت، لا ليس كل الوقت، فقط الأوقات التي يكون فيها رب الأسرة السيد أحمد عبد الجواد خارج المنزل، فعند تواجد سيد المنزل لا نسمع فيه سوى صوت السيد أحمد عبد الجواد وربما كلمات كحاضر ونعم وأفندم من باقي أفراد أسرته، مع الكثير من دعاء الزوجة أمينة لزوجها.
فيلم سيبقى دائماً في ذاكرة السينما المصرية وذاكرة المشاهدين، حيث لازلت شخصية سي السيد مضرب الأمثال في البيوت المصرية. هذا بالإضافة لعبارات محددة ذُكرت في الفيلم لتبقى في وجداننا حتى اليوم، هل هناك من ينسى عبارة "بضاعة.. أتلفها الهوى"... وغيرها من العبارات التي أنا على يقين تام أنك تسمعها وتراها الآن في خيالك بصوت وأداء أبطالها الرائعين.
تم عرض الفيلم للمرة الأولى في قاعات العرض المصرية عام 1964، وهو من بطولة يحيى شاهين، أمال زايد، عبد المنعم إبراهيم، ومقتبس من رواية بين القصرين للأديب نجيب محفوظ، تم نشر الرواية للمرة الأولى عام 1956. سيناريو وحوار يوسف جوهر، وإخراج حسن الإمام.
والآن دعونا ننتقل إلى فارس الرومانسية، صاحب القلب الرقيق يوسف السباعي، حين يُذكر هذا الاسم نتذكر على الفور الأفلام والروايات الرومانسية المتعددة التي قدمها لنا قلمه الحالم، مثل أذكريني، إني راحلة، حبيبي دائماً، نحن لا نزرع الشوك، وغيرها من الأفلام الرومانسية الجميلة، ولكني إخترت اليوم أن أبتعد عن الرومانسية في كلمات يوسف السباعي لأتجه نحو الفانتازيا والخيال مع الرواية الرائعة والفيلم الأروع "أرض النفاق".
4 أرض النفاق
لم تطرق السينما المصرية باب الفانتازيا بقوة لحد الآن، فالمحاولات المقدمة قليلة جداً وأغلبها لم يلاقي النجاح المنتظر، لذا فإن وجود فيلم فانتازي جميل بقوة "أرض النفاق" يُعد علامة فارقة في تاريخ السينما المصرية لابد وأن نقف عندها ونأمل تكرارها كثيراً في القريب العاجل، حيث يقدم لنا الفيلم كوميديا سوداء شديدة الرقي، تعرض فكرة هامة جداً ببساطة شديدة تصل لقلوب وعقول المشاهدين بمنتهى السلاسة واليسر.
ساعد على نجاح الفيلم، بالإضافة لقصته المميزة والمختلفة، الإختيار الصائب جداً لنجم الكوميديا الراحل فؤاد المهندس ليقوم بدور مسعود بطل الفيلم. نحتاج لمجلدات ومجلدات لنتكب عن فؤاد المهندس كفنان وإنسان، أتمنى أن تسمح لي الفرصة يوماً ما لأكتب عنه في تلك المجلدات ولو كلمات بسيطة تعبّر عن مدى تقديري وحبي لفنه الجميل.
يحكي لنا الفيلم في إطار كوميدي فانتازي، قصة مسعود الغلبان، الذي تقوده الصدفة لمتجر يبيع الأخلاق، ليجد أخلاق حميدة مكدّسة في كل مكان، هناك أمانة موجودة هنا، والصدق أيضاً موجود بوفرة، بالإضافة إلى جرعات كبيرة من الإخلاص.
يتجاهل مسعود كل تلك الأخلاق الطيبة ويبدأ في البحث عن أي أخلاق سيئة، ربما ساعده الغش والخداع والكذب على الحصول على حياة أكثر راحة، ولكنه لا يستطيع الحصول على أي جرعة من تلك الأخلاق أو اللأخلاق إن جاز التعبير. يبحث هنا وهناك ولا يجد، كلها أخلاق حميدة للأسف! ليقرر في النهاية أن يجرّب حبوب الشجاعة، وقد ظن أنه لا ضرر قد يقع له من الشجاعة، ولكنه إفتراض يتضح لمسعود أنه غير صحيح تماماً، بعد أن تدخله الشجاعة في صراعات لاتنتهي في منزله وشارعه وعمله.
يضطر مسعود بعد كل تلك الصراعات التي لا تنتهي أن يعود للمتجر ويختبىء لحين إنتهاء مفعول جرعة الشجاعة التي تناولها. يصر بعدها مسعود بشدة على أن يحصل على جرعة نفاق تساعده على حل الأزمات التي تسببت فيها شجاعته السابقة، فيعطيه صاحب المتجر الجرعة الوحيدة المتبقية من النفاق، ليأخد مسعود كيس أخر ظنه نفاق أيضاً بالإضافة إلى ما قدمه له البائع، ولكنه لم يكن نفاق بل صراحة!
بعد تناول النفاق يستطيع مسعود الآن مصالحة زوجته وينال رضا حبيبته، كما يحصل أيضاً على ترقيات كبيرة في عمله. ثم تتسب الصراحة التي تناولها عن طريق الخطأ في تحطيم كل ما أوصله إليه النفاق بسرعة ودون وجه حق. ينتهي الفيلم بقيام مسعود بإلقاء كل الأخلاق الحميدة في مياه النيل، ليتناولها كل الناس ربما إنصلحت الأحوال.
الرواية المقتبس منها الفيلم بقلم يوسف السباعي وتم نشرها للمرة الأولى عام 1949، وهو من بطولة فؤاد المهندس، شويكار، سميحة أيوب، وسيناريو وحوار سعد الدين وهبة، وإخراج فطين عبد الوهاب. تم عرض الفيلم للمرة الأولى في قاعات العرض المصرية عام 1968.
ربما حان الوقت الآن للحديث عن واحدة من أوائل رواد التيار الواقعي في السينما المصرية لطيفة الزيات التي قدمت للسينما رواية واحدة فقط ستكون هي موضوعنا اليوم، حيث سنعرض لكم في نظرة مطوّلة مراجعة لفيلم الباب المفتوح.
3 الباب المفتوح
تدور أحداث الفيلم في نهاية أربعينات القرن الماضي مروراً بثورة يوليو 1952 وما حدث بعدها من تغيرات كبيرة أثرت في الحياة الشخصية للفتاة المصرية ليلى.
كبرت الطفلة ليلى لتكتشف أن هناك الكثير من الأبواب المغلقة وغير المسموح بطرقها في وجهها ووجوه بنات جيلها، فلا حق لهن أو رأي في المشاركة في الحركة السياسة ولو حتى بالهتاف، لا حق في إختيار الزوج أو حتى نمط الحياة الذي تراه مناسب لها، لا حق لها في اي شيء على الإطلاق.
تستسلم ليلى في البداية وتحيا حياة من جعلوه فانجعل، لتفيق لنفسها في نهاية الأمر وتبدأ في فتح أبواب حياتها المغلقة رغم أنف الجميع، لتحيا وفقاً لمَ تراه هي مناسب لها. قدم لنا الفيلم قضية من أهم قضايا المرأة في ذلك الوقت، ولايزال حتى الآن نموذج مشرف يُقتدى به كدليل مُرشد في حياة كل فتاة.
الفيلم من بطولة فاتن حمامة، محمود مرسي، صالح سليم. قصة، سيناريو وحوار لطيفة الزيات عن روايتها "الباب المفتوح" التي نشرت للمرة الأولى عام 1960. شارك في كتابة السيناريو والحوار يوسف عيسى، وإخراج هنري بركات، وتم عرض الفيلم للمرة الأولى في قاعات العرض المصرية عام 1963.
وصلنا لـ إحسان عبد القدوس، الذي أثرت روايته السينما المصرية بعدد كبير جداً من الأفلام التي تحمل الطابع الرومانسي الجريء والمختلف عن الإتجاه السابق لأفلام الرومانسية، كما قدم للسنيما أيضاً عدد من الأفلام التي تنتقد المجتمع وعاداته الخاطئة. اتسمت أعمال إحسان عبد القدوس بالجرأة والتحدي والرغبة في إصلاح المجتمع، ومن أبرز أعماله التي تحولت لأفلام ولاقت نجاح باهر، النظارة السوداء، أنا حرة، أين عقلي، في بيتنا رجل، وفيلم لا أنام الذي أخترت أن أناقشه معكم اليوم.
2 لا أنام
زواج الأب الذي كرس حياته كلها لرعاية إبنته بعد وفاة والدتها وهي في عامها الثاني، أبرز الخلل الكامن في نفسية إبنته نادية. فقد كانت نادية الفتاة التي تحمل الوجه الملائكي تتسبب في الأذى لكل المحيطين بها بصورة غير مباشرة، لتعذبها أفعالها بعد ذلك ويحرقها الندم فلا تستطيع النوم.
تكبر أخطاء نادية كلما كبرت الفتاة، لتقوم بخطأ بسبب غيرتها من صفية زوجة الأب حسنة الخلق طيبة النفس، خطأ غير قابل للإصلاح، حيث زرعت الشك في قلب والدها بأن هناك علاقة حب بين زوجته وأخاه، ليصدق الأب تلك الشكوك ويطلّق زوجته فتسوء حالته ويقع فريسة في يد صديقة إبنته التي تتزوجه طمعاً بأمواله، تكتشف نادية خيانة زوجة أبيها ولكنها تصمت خوفاً على والدها من الوقوع في صدمة ثانية.
الفيلم يقدم لنا صورة مباشرة جداً لمقولة الجزاء من جنس العمل، حيث تلاقي نادية في النهاية جزاء أخطائها الكبرى، عندما يتزوج الشخص الذي أحبته من صفية طليقة والدها، بينما تُجبر هي على الزواج من عشيق زوجة أبيها، قبل أن تشتعل النيران في فستان الزفاف ويصاب جسدها بتشوهات وحروق بالغة لن تزول أبداً.
تم عرض الفيلم للمرة الأولى في قاعات العرض المصرية عام 1957، وهو من بطولة فاتن حمامة، يحيى شاهين، مريم فخر الدين، عن رواية إحسان عبد القدوس "لا أنام" التي نشرت للمرة الأولى عام 1957، وسيناريو وحوار صلاح عز الدين، صالح جودت، السيد بدير، وإخراج صلاح أبو سيف.
اسمحوا لي أن أختم قائمتي هاته بأحد أعمال الكاتب محمد عبد الحليم عبد الله الذي أعشق كتابته الثرية بالشخصيات والأحداث. قدم محمد عبد الحليم عبد الله للسينما عدد كبير من الأفلام المميزة مثل الليلة الموعودة، غصن الزيتون، سكون العاصفة، ليلة غرام والفيلم الذي إخترت الحديث عنه "عاشت للحب".
1 عاشت للحب
يحكي لنا الفيلم قصة حسني طالب الطب الذي فقد ثقته الكاملة في المرأة بسبب ما تعرض له في طفولته عندما إكتشف خيانة زوجة والده لوالده. يقع حسني في حب جارته الرقيقة، ولكنه يتركها بعد أن تعود له أشباح ماضيه كاملة عندما تقوم زينب بعلاقة معه بدافع الحب.
يترك حسني البلد ويسافر، يتجاهل خطابات زينب الكثيرة له الذي يظن أن هدفها الوحيد هو الإيقاع به. تحاول زينب الإنتحار كي لا تتزوج بشخص أخر غير حسني الذي أحبته من كل قلبها، ليصل حسني في اللحظة المناسبة ويتأكد بعد محاولة الإنتحار الفاشلة من إخلاص زينب له، فينتصر حبه على عقدته ويبقى معها للنهاية.
تم عرض الفيلم للمرة الأولى في قاعات العرض المصرية عام 1959، وهو من بطولة كمال الشناوي، زبيدة ثروت، عبد المنعم إبراهيم، عن رواية "شجرة اللبلاب" لمحمد عبد الحليم عبدالله، وسيناريو السيد بدير، وحوار صالح جودت، وإخراج السيد بدير.