مراجعة فيلم Anon.. قصة محقق في عالم رقمي مراقب بالكامل، لكن أحدهم اخترق النظام!
في مستقبلٍ قريب حيث لا يوجد شيء اسمه الخصوصية، الجهل أو إخفاء الهوية، يتم تسجيل ذكرياتنا الشخصية بالكامل، وعالم الجريمة يكاد ينعدم تماما. في محاولته لحل سلسلة من الجرائم الشائكة، المحقق "سال فريلاند" يُصادف فجأة امرأة يبدو وكأنها اخترقت النظام وأصبحت مجهولة الهوية، لا تاريخ ولا سجل لها. المحقق سال هذا، يستوعب أن الأمر لم يعُد حول نهاية عالم الجريمة بل سيكون عتبة بدايته. هذه المرأة المجهولة التي أصبحت تسمى بـ "الفتاة" يجب العثور عليها قبل أن يُصبح المحقق هو الضحية التالية.
مرة أخرى تقدم لنا نتفليكس فيلما آخر يدخل في خانة الأعمال السينمائية الغريبة والغير مألوفة في الوسط السينمائي، وهذا بحد ذاته يُعتبر إنجاز لها، فكم شخص منا اكتفى من تلك النمطية في القصص التي أصبحنا نراها كثيرا في عصرٍ أصبحت فيه الفكرة الأصلية تزن الذهب. فكم هو مثير للاهتمام أن تشاهد عملا لم تر مثله من قبل! يجعلك الأمر تسترجع ذلك المعنى الحقيقي للسينما، خصوصا عندما تصبح كل سنة أغلب أفلامها مليئة فقط بأجزاء تالية، أو إعادة إنتاج أفلام قديمة...
فيلم Anon يعِد بالكثير، فقط من خلال قراءة ملخصه ومشاهدة العرض الدعائي، حيث تجري قصته في عالم أصبح كل شيء فيه رقمي والجميع مراقب، وبالتالي أصبح معدل الجريمة ضئيل جدا، إلى أن يظهر ذلك الشخص الذي لا ينتمي إلى الجماعة، ذلك الشخص الذي يجري عكس التيار، ذلك الشخص الذي ينفرد بنفسه وعقله ولا ينساب مع القطيع! كل هذه الوعود تجعلك تعتقد أن فيلم Anon سيكون تجربة سينمائية تستحق المشاهدة، لكن هل ذلك صحيح؟
أول شيء، الفيلم ذكي جدا من ناحية القصة والأحداث، حيث هناك نوع من المشاهد تجعلك تفكر للحظات طويلة من أجل استيعاب منظورها، أو بعبارة أخرى من هو الشخص الذي نتابعه أو من هي الشخصية التي نتابع معها الأحداث، وهذا فقط جزء من الكل، وهذا الكل هو الفكرة الرئيسية للفيلم التي هي الأخرى تعتبر جد ذكية ومبتكرة في مجال السرد السينمائي، وهنا نتكلم عن أندرو نيكول الذي كتب، أخرج وأنتج الفيلم، وهو معروفٌ على أفلامهم دائما الذكاء والابتكار.
هذا الفيلم قد يشبه، بالنسبة للبعض وإلى حد ما، فيلم Minority Report للمخرج ستيفن سبيلبرغ، لكنه مختلف عنه تماما. قد يشبهه في الموضوع العام نوعا ما، خصوصا فيما يتعلق بمراقبة الجميع ومحاولة القضاء على الجريمة، لكن فيلم Minority Report يتفوق من ناحية تسلسل الأحداث وكونها جد مركبة، أما فيلم Anon فأحداثه لا تعتبر بالمركبة، كما أنها تتقدم بشكل مباشر، تبدأ من النقطة A وتنتهي عند النقطة B، ثم نهاية القصة. فيلم ستيفن سبيلبرغ يبدأ من النقطة A نحو النقطة B نحو النقطة D ثم يرجع إلى النقطة B ثم النقطة C وهكذا...، وهذا ما جعله واحد من أفضل أفلام سنة 2002 ومن بين أفضل أفلام الخيال العلمي على الإطلاق.
بدون شك، فيلم Anon لا يعتبر من بين أفضل أفلام الخيال العلمي على الإطلاق، لكنه يستحق أن يكون من بين أفضل أفلام هذه السنة، ففكرته الرئيسية ساعدته على ذلك، أضف لهذا الأداء الجيد لشخصيات الفيلم والتي أضافت ذلك الطابع المستقبلي والرقمي الذي تجري فيه الأحداث، خصوصا شخصية المحقق سال (من أداء الممثل كلايف أوين) الذي كان ممتازا في دوره، وشخصية المرأة المجهولة (من أداء الممثلة أماندا سيفريد) التي أبدعت هي الأخرى.
هناك شيء واحد أضعف الفيلم بعض الشيء، وهو أنه في بعض الأحيان تُصبح الأحداث بطيئة نوعا ما في البداية عندما يتم بناء القصة وتقديمها للمُشاهد، ثم تُبطئ مرة أخرى في وسط القصة وهذا من أجل تحول مسار الأحداث نحو الجزء الأخير من الفيلم، الذي يُصبح عكس البداية والوسط حيث تُسرح الأحداث، ثم يصبح الفيلم تقليديا على طريقة هوليوود النمطية إلى حد ما، وتُصبح القصة فقط حول إيجاء ذلك الشخص أو ذلك الشيء المُسبب للمشكل الرئيسي.
في الأخير، يبقى فيلم Anon يستحق المشاهدة لكنه غير موجه للجميع، فقط لمحبي أفلام الخيال العلمي وخصوصا أولئك الذين يبحثون عن الأفلام الغريبة التي تجري في العوالم المستقبلية والخيالية، لكن ليس بذلك المعنى الحرفي لكلمة الخيالية، فالفيلم ربما قد يكون تنبؤٌ لما سيحدث للبشرية مستقبلا، فنحن نعيش في عصر رقمي حيث أصبح أغلب الناس يشاركون حياتهم في العالم الافتراضي أو عالم الأنترنت، وانظر لما حدث مع موقع فايسبوك وفضيحته مع شركة كامبريدج أناليتيكا، هذا دون الحديث عن رغبة الحكومات في مراقبة جميع أفراد شعوبها من خلال وسائل التواصل الاجتماعي... هذا موضوع آخر يحتاج لنقاش مطول مع شرح وتفسير آخر، وسأترك لكم الكلمة لإضافة شيء إلى الموضوع، والفيلم بصفة عامة، في منطقة التعليقات بالأسفل.
تنبيه: الفيلم يحتوي على مشاهد جنسية كثيرة!
أنظر أيضاً: أعظم 10 أفلام من الألفية الجديدة يجب على كل عاشق للسينما أن يكون قد شاهدها
جميل
مشكور