شرح وتفسير قصة فيلم Arrival.. لماذا هم هنا؟
© 2016 MMXVI Paramount Pictures Corporation. All Rights Reserved. |
لكي نشرح الفيلم سنقسمه لجزئين: الأول سنناقش فيه الغموض الذي يشوب القصة، أما الجزء الثاني سنركز فيه على الرسائل الضمنية للفيلم.
لكن قبل كل شيء، الفيلم هو من إخراج "دينيس فيلنوف" صاحب التحفة الفنية المحيرة Enemy، بالإضافة إلى فيلم الدراما الغامض Prisoners، وفيلم الجريم Sicario.
لكي نستوعب مفهوم الفيلم يجب أولا أن نفهم نوع السرد المنتهج فيه، ونتكلم عن السرد المتقطع أو الغير المباشر Nonlinear narrative، حيث تبنى قصة هذا النوع من السرد على مخالفة التسلسل الزمني أو المنطقي لأحداث الفيلم، حيث نجد كاتب السيناريو يبدأ الأحداث من نهايتها أو وسطها، ثم ينتقل الى البداية وهكذا...، ونجد في بعض الأحيان بعض الكتاب ينتهجون هذا النوع من السرد أكثر من مرة في القصة، حتى تصبح مركبة ومعقدة جدا.
نذكر بعض الأمثلة من الأفلام التي أبدعت في هذا النوع من السرد، كفيلم Memento (2002) لمخرجه "كريستوفر نولان"، فيلم Rashomon (1950) لمخرجه "أكيرا كوروزاوا"، فيلم Babel (2006) لمخرجه "أليخاندرو غونزاليس إيناريتو"، فيلم Mr. Nobody (2009) لمخرجه "جاكو فان دورميل"...
ثم نأتي لفيلمنا هذا، كيف طبق الكاتب أسلوب السرد هذا؟ حسنا... إليك القصة، الكائنات الفضائية التي رأيناها تتفاعل مع شخصيتنا الرئيسية "لويس بانكس" أتت لكوكب الأرض من أجل المساعدة، لكن كيف؟ المساعدة التي تقدمها هذه الكائنات هي رؤية المستقبل والفرصة على تغيير أحداثه. نرى في الفيلم أن هذه الكائنات أوصلت "لبانكس" القدرة على الرؤية المستقبلية، حيث أصبحت ترى أنها ستتزوج وستنجب طفلة، وهذه الأخيرة ستصاب بمرض نادر، مما سيؤدي إلى موتها.
|
ثم أيضا استطاعت أن ترى أنها ستوقف الحكومة الصينية من شن حرب على هذه الكائنات الفضائية، الذي كان سيؤدي إلى فوضى عالمية، حيث أقنعت الجنرال الحربي للصين "شانغ" بألا يبدأ الهجوم، وذلك بإخباره بشيء يخصه هو وزوجته ولا يعرفه أحد آخر غيرهما، بمعنى أنها أخبرته بشيء من المستقبل مما أقنعه بالتراجع.
|
لنرجع إلى موضوع ابنتها وإنقاذها من الموت. العديد من المشاهدين قد يعتبرون أن تلك الومضات الارتجاجية (Flashforward) التي كانت تزاورها من بداية الفيلم هي لذكريات من الماضي، حيث كانت متزوجة ولها طفلة، ثم توفيت هذه الأخيرة، ليهجرها زوجها بسبب هذا المرض الذي أصاب طفلتهما...
هذه ليست ذكريات من الماضي، هذه رؤى مستقبلية بدأت تراها عندما أوصلت لها الكائنات الفضائية القدرة على رؤية المستقبل. لكن هناك نوعان من الرؤى في الفيلم، الأولى هي كما قلنا بدأت تراها بعد اتصالها بهذه الكائنات، ولم تحدث إلا بعد أن حطت هذه الأخيرة وذهبوا إليها ليستفسروا، أي تقريبا عند منتصف أو بداية منتصف الفيلم.
أما الرؤى الثانية، فهي مشاهد مستقبلية نراها فقط في بداية الفيلم لمصير "بانكس" مع طفلتها في حالة عدم حصولها على تلك القدرات من الكائنات. وهذه المشاهد هي ما قلناه حول أسلوب السرد الغير مباشر، وقد وضعها المخرج في البداية من أجل إرباك المشاهد وجعل القصة نوعا ما معقدة، حيث سيظنها الكثير أنها ذكريات من الماضي، لكنها ليست كذلك، فهي تعتبر الحياة البديلة التي ستعيشها بانكس في حالة عدم قدوم هذه الكائنات الفضائية إلى الأرض.
إذا، إن أردنا معرفة البداية الفعلية للفيلم فستكون عندما كانت "بانكس" متجهة إلى الكلية من أجل التدريس، فوجدت الجميع يتكلم عن هبوط سفن فضائية في عدة مناطق بالعالم.
© 2016 MMXVI Paramount Pictures Corporation. All Rights Reserved. |
لنذهب الآن إلى نهاية الفيلم المحيرة أو الجزء الثالث من الفيلم، عندما احتضن "إيان" "بانكس" حينما انهارت بعد رجوعها من السفينة الفضائية وحاول إدخالها للسيارة من أجل المغادرة، قالت شيئا مربكا نوعا ما! قالت أنها "اكتشفت لماذا تركها زوجها"، بمعنى أنها تتكلم عن شيء من الماضي، ثم أجابها "إيان" "بأنه لم يكن يعرف أنها كانت متزوجة". لكن ما قالته ليس من الماضي، وإنما رؤية مستقبلية لها ولزوجها وابنتهما، حيث سيهجرها عند موت هذه الأخيرة، لكن هذا سيحدث فقط إن لم تقبل المساعدة التي تقدمها هذه الكائنات، وهذا ما سيشجعها على الاتصال بالجنرال الصيني ومحاولة إقناعه بالتراجع عن الهجوم.
سؤال آخر يطرح نفسه، هو كيف أن صديقها "إيان" هو زوجها؟ هذا أمر عادي، فبعد عملهما المشترك في التواصل مع هذه الكائنات سيقعان في الحب ليتزوجا من بعد، وينجبا طفلة...، وكل هذا علمته "بانكس" عن طريق رؤيتها للمستقبل، علمت أن زوجها سيكون هو صديقها في العمل "إيان".
لكن الشيء الذي يخلق نوعا من الغموض في القصة هو المشاهد الارتجاجية في وسط الفيلم وفي بدايته. المشاهد التي في البداية ما هي إلا مشاهد للحياة البديلة التي كانت ستحظى بها "بانكس" لولا مساعدة الكائنات الفضائية التي غيرت قدرها، وأما المشاهد الارتجاجية في وسط الفيلم فهي للرؤى المستقبلية لحياة "بانكس" في حالة قبول المساعدة من الكائنات.
نأتي لشيء آخر غير موضح في الفيلم، كيف أن هذه الكائنات ستنقد ابنة "بانكس" من الموت؟ نعم الكائنات ساعدتها في رؤية المستقبل لكن هذا لا يمنع من موت ابنتها. هناك احتمال فقط أن القدرة على رؤية المستقبل التي لدى "بانكس" ستمكنها من رؤية إن كان المستقبل البعيد قد وُجِد فيه دواء للمرض الذي تعاني منه ابنتها ثم تستغله في الحاضر لكي تنقذ ابنتها، تماما كما فعلت في إقناع الجنرال "شانغ". لكن هذا يبقى فقط احتمال، الفيلم لم يوضح هذه النقطة جيدا، والتي قد تعتبر نوعا ما تناقض في الأحداث.
ثم نأتي إلى السؤال الذي سيطرحه الجميع، لماذا تريد هذه الكائنات الفضائية مساعدة البشر؟ الفيلم أجاب على هذا السؤال ولكن ليس بشكل مقنع ولم يتم التعمق فيه جيدا...، حيث برر الأمر بأن هذه الكائنات تظن أنها ستحتاج مساعدة البشر بعد 3 آلاف سنة. لذلك تسدي للبشر هذا المعروف، وتصبح مسألة تعاون مشترك.
|
وإذا عدنا إلى ما قلناه عن نوعية السرد المتبع في هذا الفيلم، السرد الغير المباشر أو المتقطع، الذي يكسر قاعدة التسلسل الزمني المنطقي للأحداث، حيث نجد مثلا حدث من النهاية في بداية الفيلم، والعكس صحيح، سنجد رابط مشترك. ألا وهو التسلسل المنطقي للزمن بين الكائنات والأسلوب المتبع في القصة. هذه الأخيرة لا تتأثر بهذا الرابط المشترك، وإنما يُظهر فقط مدى براعة الإخراج والكتابة، اللذين يجعلان من هذا الفيلم واحد من أفضل الأعمال السينمائية في مجال الخيال العلمي.
آخر شيء يجب أن نتكلم عليه، قبل أن نمر إلى الجزء التالي حول الرسائل الضمنية في الفيلم، هو ذلك العصفور (الكناري) في القفص، لماذا هو في الفيلم؟ لم تتكلم عنه أي من الشخصيات!
حسنا، لكي نفهم دور هذا العصفور، يجب أن نحفر في مجال آخر بعيد عن السينما. نتكلم عن المناجم، حيث كان عمال المناجم يأخذون عصافير الكناري في أقفاص معهم إلى عمق المناجم من أجل التأكد من طبيعة الهواء هناك، إن كان يحتوي على أي غاز سام مثل أول أكسيد الكربون أو غاز الميتان...، فإن أول من سيختنق به هو العصفور، وبالتالي يتجنبون تعريض أنفسهم للاختناق قبل أن يزيلوا خوذهم.
نفس الفكرة مطبقة في الفيلم، العلماء لا يعرفون بعد طبيعة الهواء المتنفس في تلك السفن الفضائية، لذلك عندما قررت "بانكس" إزالة بزتها، إن ركزت جيدا فقد نظرت أولا إلى عصفور الكناري في القفص، تأكدت أنه لم يختنق، فباشرت في إزالة البزة والخوذة.
|
لن أكثر في هذه الفكرة لأنها قد تبدو للبعض عنصرية أو تافهة...، أضف لهذا أنها ليست فكرتي ولست أتبناها (شاهد صاحب هذه الفكرة) لكن يكفي فقط أن تتذكر أن المخرج هو دينيس فلينوف صاحب فيلم Enemy، الذي يتكلم حول هذه العلاقة الوجودية بين الذكر والأنثى بشكل غريب، ولديك جل هذه المعلومات السابقة، لذا يبقى لك (ي) الاختيار في التمعن في هذه الفكرة (إقرأ (ي) الشرح الذي قمنا به حول فيلم Enemy لكي تفهم جيدا هذه النقطة).
وتبقى الرسالة الواضحة في الفيلم، هو حث دول العالم على التواصل والتعاون في حل الأزمات، بالتعاون المتبادل يمكن التعامل مع أي أزمة عالمية، على الرغم من عرق وسياسة وتوجه كل دولة. كما أن رسالة التواصل موجهة كذلك للأفراد، يمكن لنا اكتشاف ثقافات وأمم آخر والتقدم للأمام عن طريق التواصل، رسالة موجهة للأزواج، للأصدقاء...